كلما
خطر ببالي اسم علم تقرأه ذاكرتي مكتوبا بالعربية، في صور مختلفة كل صورة لا تشبه
أخرى، ولا صورة مسجلة لدي بالكامل بل لا أكاد أتذكر الواحدة منها، هذا الانقلاب المفاجئ المتمثل في تخلي ذهني عن تسجيل الصور حدث
معي بعد أن التحقت بالمدرسة وتعلمت الحروف وصرت أراجع ذهنيا الكلمة مكتوبة بعيد
تذكّرها أو سماعها قبل أن أنطقها...أما قبل تعلمي القراءة والكتابة أتذكر كيف كنت
أحفظ الأسماء بتثبيت ألوانها في ذاكرتي، فمثلا:
كلمة
"عائشة" لونها أحمر يميل للوردي
حياة: ذو لون رمادي خفيف
يسرى: أبيض
مراد: برتقالي نوعا ما
جمال:
أصفر فاتح اللون.....
وللكثير من أسماء الأعلام مشتقات الألوان أو مزيج من مختلف الألوان لا أستطيع أن أجد له
اسما أو أصف لون هذا المزيج مع أن صورته مثبتة
في مخيلتي، وكلما نسيت اسما أستطيع استنباطه من خلال تذكر لونه، وأحيانا أبحث عن
اللون الذي يسهل علي تذكره ومن خلاله أجد الاسم. هذه العملية التي تخص مرحلة الطفولة في حفظ الأسماء تلاشت
بعد تعلمي القراءة والكتابة، وهي شبيهة بعملية حفظ النصوص حيث يحل موضع الكلمة من
النص و الصفحة محل اللون، مثلا حفظ النصوص
المكتوبة يكون سهلا إن اعتمدنا كتاب واحد
بحجمه وعدد صفحاته لتذكرها بتذكر الفكرة أو الجملة وحتى الكلمة وذلك بعودة لا
شعورية للموضع المدونة فيه.
حالة
أخرى جعلتني أتساءل ما إذا كانت تلك الصور الطبيعية التي تتهيأ لبعض المغرمين بالمعجزات الوهمية في صورة خطية للفظ
الجلالة " الله " ؟ و التي
تتراءى لهم مكتوبة على بعض المخلوقات مثلا أو غيرها ، هذا لأني كنت أتطلع لجدار أمامي
أو ورقة أو غصن فأحدق بالخدوش المخطوطة عليه فتتهيأ صورة معينة عن طريق إعمال مخيلتي و تفكيري في آن واحد
تتداخل العاطفة و العملية الذهنية في تفاعل مع ما هو موجود لتنسق تلك الصورة التي أطمئن إليها
أو تلك التي أخشاها وذلك بربط عدد من الخطوط أو الحفر الصغيرة يبعضها البعض، هي
مجرد تهيئ من الصدف أوجدتها مخيلتي لا أكثر، لكنها لا تتغير بل تظل تلك الصورة مرسخة
مهما حاولت تغييرها، على جدران ببتنا القديم مثلا خدوش، و أنا طفلة صغيرة كنت
أتأمل بها صورة لوجه غريب ولما سألت أختي أصرت على أنها رسم لحيوان وحاولت إقناعي
لكنني أجد أن صورة الوجه هي المرسومة في واقع الأمر، و التصور باق ليومنا هذا كلما
زرت ذلك المكان.
الغريب في الأمر أن الصورة الأولى لا تقتصر على
هذه التصاوير الخيالية (أستنبطها من التصور ) بل حتى بالواقع أحيانا، يلتصق الذهن باتجاه معين
لواجهة بيت أو مسجد وبعد تصحيح المعلومة الخاطئة تظل الأولى قائمة وقد تؤثر على
الفعل في حالة السهو أحيانا ، تماما كاتجاه القبلة في الصلاة ببعض البيوت التي لا
يتقبلها الذهن رغم أنه الاتجاه الصحيح والسبب أنها ترسخ في بادئ الأمر خاطئة.
حالة
أخرى لرسم الصور ذهنيا تحصل معي في بعض الأحيان، أغمض عيناي وأركز ذهنيا على شكلٍ معين فأرسمه أو
أرسم لوحة طبيعية جميلة أو صورة شارع أو مقهى ، والغريب أنها تظهر في بضع ثوان ولا
تحتاج لوقت طويل لرسمها، وكأنها لقطة لعدسة الكاميرا وتظهر كأنها صورة طبق الأصل عن
حقيقة، وبعد ذلك لا أستطيع أن أتذكر منها إلا بعض الملامح.