كانت أمسية رائعة رفقتهن وليلة مميزة ، كن رائعات جدا مبتسمات
يرقصن أمامنا بكل بهجة وسرور ، الفرق بين أول يوم زرتهن فيه وليلة الأمس
كان واضحا جدا ، الفتاة التي قالت لي بقسوة في أول يوم لزيارتي( ارحلي لا
حاجة لنا بك)، عانقتني البارحة وقد اغروررت عيناها بالدموع وهي تنطق
بتلعثم : أنت ( كذابة ) وعدتنا بالمبيت معنا الليلة ، طفلات تبحثن عن
الأمل حتى في المزاح، طفلات يمرحن فرحا بأبسط هدية يقدمها الائتلافيين،
بقلم، كتيب أو إكسسوار بسيط، فتيات أدين أنشودة " المغرب والحضارة" أفضل
أداء بأصواتهن الطفولية العذبة ،كما أدين باقي الأنشودات وجسدن اللوحات
التعبيرية بكل إحساس فيه حقيقة شعورهن الخفي ولمسات المنشطين اللذان
ألفنهما بعد حصص طويلة من التدريب ، طفلات كنا نودعهن مختبئين لنتفادى
أسئلتهن المتكررة، ألن تزوروننا غدا أيضا؟
إحساس يأخذك أقل ما
يمنكن أن يفعله به هو أن يبكيك ويشغل بالك ، فراشات قذفت بهن الأقدار إلى
عالم بدون مأوى ولا عائلة فكان المركز المأوى والمدير الأب ووجدتن في
مربياتهن الأمومة المفقودة ووجدن فينا العائلة ، كيف يمكنها أن تمر كمجرد
حدث وذكرى بعد أن تعودن على زيارتي ومجالستي لعدة أيام أول ما يُفتح لي
الباب يلمحنني بكل سرور بعد أن كن لا يتحملنني.
غادرت رفقة
الائتلافين وكنت آخر من خرج متأخرا، كان صوت الواحدة يأخذني من الأخرى
زورينا، لا تنسينا ،اتركي لنا رقمك، لا تختفي.....رباه! كيف يمكنني أن
أختفي أو أنسى وكيف يمكنني أن أزورهن كل يوم من دون ترخيص فلا شهادة تدريب
تمنحني ذك الحق لمتابعة الحصص مع إجراءات قانونية تزيد الأمور تعقيدا؟
غادرت
ذلك المكان بعناق أخير لإحداهن وهي تجهش بالبكاء وتقول:" سأشتاق إليك
كثيرا ، بلغي سلامي للمنشطين".حتى لو كان القلب قاسيا بصلابة الحجر سيلين
للمشهد.
غادرت المكان بأفكار ثورية غاضبة ساخطة على مجتمع قذف بفلذات
أكباده إلى شارع النسيان والإهمال ، إلى حياة مجهولة وأفق مظلم، ساخطة على
مجتمع لم يرحمهن صبيانا لا ذنب لهن ولا خطيئة ولن يرحمهن شابات في ربيع
العمر ، مجتمع لن يسمي مركز الإيواء مركز حماية بل سيسميه : سجن ، دار
الأيتام أو ملجأ من لا عائلات لهن، مجتمع أول ما سيسأل عنه الأصل والتربية
والعائلة الشريفة لتعيش تلك العقدة معهن ؟ اللعنة ثم اللعنة.
غادرت
ذلك المكان وأفكار تتأرجح بدهني والتساؤلات، أين السبيل لمحو الماضي وطي
صفحة المعاناة وفتح نافذة مشرقة أملا فهن لسن ببنات النائب أو الوزير كما
يرددن بسخرية أمام كل من حاول أن يقرأ علينا سطورا لخطوات النجاح.
غادرت
ذلك المكان والحسرة تغلي بداخلي والأسف والقليل من الأمل، هن وجدن فيه
البيت والحماية والعائلة والمئات من أشبال الوطن ضائعون بشوارعه من دون
مأوى من سقف يقيهم الحر والمطر ،وأصوات كمال وعصام و و غيرهم ممن تعودا أن
أوقفهم بشارع كذا وحديقة كذا لأتحدث معهم وأنصت لمعاناتهم.
غادرت ذلك
المكان وكلي همٌّ يشغلني على طفولة مرتعها الشارع بليله المرعب و وحوش بني
البشر من تجار العرض وبائعي الحرمة التي وهب الله لعباده كما خلقهم
بأرواح طاهرة ليدنسوها بلفائف الحشيش والمعجون ويسكنوها عالما سوداويا من
الإدمان والانحراف بعد أن أسكنها الخالق أجسادا نقية.
ختمت يومي ذاك
وأنا أفكر، ما الحل ؟ واقتراح أحد أصدقائي الائتلافين يتردد على مسمعي:
آجعليه مشروعا مدروسا وقدميه مادام أنك استطعت تغييرهن، نعم أخي توفيق ممكن
مادام أننا استطعنا تغييرهن في غضون أيام نستطيع صنعهن في عام، فكرة في
المتناول مادمنا نطمح لمؤسسة رائدة في صناعة الإنسان ،فلنشهد لأنفسنا أننا
جيل النهضة.
وفي طفولتنا الأساس وفيها نستثمر مشروعا وطنيا مرحبا، ربحه لا يقدر بثمن.
مراكش 13 غشت 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق